من قصص المجتمع الغربي ( كوخ العم توم ) زهنرييت ستاوس
تعتبر هذه القصة من اروع واشهر القصص العالمية التي يمكن ان تذكر لما تحكي من قصة واقع لامس حياة اقوام اخرين ولكنه يحكيها بصورة انسانية تمسنا جميعا .
زهنرييت ستاوس فتاة زنجية أمريكية , عانت في محنة أبناء جلدتها من العبودية والاسترقاق , فكتبت قصتها الخالدة " كوخ العم توم " التي تصور فيها أبلغ تصوير حياة رجل زجي مملوك اسمه توم .
وقد قدر لقصتها هذه ان تلاقي ما تستحقه من الذيوع والإنتشار , حتى اصبحت واحدة من اشهر القصص العالمية .
وهنا مشهد منقول من تلك القصة :
( أطل صباح يوم من أيام شهر يناير , على وجوه كاسفة , وقلوب منكسره , في كوخ العم توم . كانت المنضدة الصغيرة قائمة إلى جانب النار , عليها ( القماشة ) الخاصة بكي الملابس , لقد كوت العمة كلو قميصين خشنين , ولكنهما نظيفين , وها هي ذي تنشر ثالثا على المنضدة استعداداً لكيه , إنها تنظف كل جزء من أجزائه في عناية بالغة , رافعة يدها , بين الفينه والفينه , لتكفكف دموعاً تنحدر كبيرة سخينة على خديها .
كان توم جالسا غير بعيد وكتاب دينه على ركبته فهو يقلب نظره في بعض صفحاته , مسنداً رأسه إلى يده , ولكن أياً منهما لم ينطق بكلمة , كان الضحى على وشك أن يرتفع , وكان الأولاد لا يزالون نائمين معاً في سريرهم الصغير البدائي , ذي العجلات .
وبقلب كسير , نهض توم واتخذ سبيله صامتاً , ليرى اولاده , ثم قال : إنها المرة الاخيرة التي أراهم فيها ! ولم تجب العمة كلو . لقد واصلت إمرار المكواه جيئة وذهاباً على القميص الخشن إلى أن صار فيه شيء من الملاسة والنعومة , حتى إذا اتمت عملها , ألقت بنفسها في يأس , وأنشأت تقول وتنتحب .
فقال توم : لا تجزعي يا كلو , فلسوف أجد هناك , الإله الذي اسبغ علينا رعايته هنا . إني أسلم نفسي إلى الله , وليس من شيء يمكن أن يذهب إلى أبعد مما يرسمه له . والحق أن هناك شيءاً واحد أستطيع أن أحمده عليه , وهو أن السيد باعني أنا , ولم يبيعك أنت أو أحد من أولادنا .
فقالت كلو : على كل حال , أنا لا استطيع ألا أن ألوم السيد على موقفة هذا , كان في إستطاعته ألا يبيعك لو شاء .
ثم انصرفت إلى إعداد طعام الإفطار الأخير لزوجها العجوز , وكانت المسكينة قد افرغت همتها لجعل ذلك الطعام أطيب ما يكون , وأغني ما يكون , فذبحت أفضل دجاجاتها وأعدت ضروب الحلوى والفطائر .
ورأى إبنها موز المائدة الشهية فمد يده وامسك بقطعة دجاجة فما كان من كلو إلا أن ضربته بجماع كفها على أذنه صارخة : كيف تجرؤ على أن تمسها ؟ أما علمت أنه آخر طعام يصيبه أبوك المسكين في هذا المنزل ؟؟
ولامها توم على تصرفها , فقالت وهي تخفي وجهها : لا تؤاخذني , فقد ضربته دون وعي .
وجمد ولدهما في مكانيهما , وتطلع إلى ابيه ثم إلى أمه في حين تعلق الطفل الصغير بثيابها وصرخ صرخة مدوية .
عندئذ دعت كلو أولادها إلى المائدة فأقبلو عليها في شوق ولذة .
وقالت كلو : يجب أن اعد ثيابك الآن , ها هو ذا ثوبك الذي يقيك النقرس ,في الزاوية , حافظ عليه جيداً فلن تجد من يصنع لك ثوباً مثله , وهذه هي قمصانك العتيقة , وهذه قمصان جديدة لك , وهذه الجوارب اصلحتها لك .
ولكن ياإلاهي من الذي سوف يرفو جوارك بعد اليوم ؟ وأسندت رأسها إلى جانب الصندوق وتنهدت واخذت تنشج !!
وهنا أعلن الأولاد وصول السيد هيليسي وإن هي إلا لحظات حتى فتحت الباب رفسه شديدة , وبدأ السيد هيليسي مغيظا حانقاً وصاح : تعال أيها العبد !
وأقفلت كلو الصندوق , وتطلعت عابسه إلى النخاس , وبدت دموعها وكأنها شرارات من لهب .
ونهض توم , وفي وداعه ليتبع مولاه الجديد , ورفع الصندوق الثقيل على كتفه , وحملت زوجته طفلها الصغير بين يديها لتتبعه إلى العربة , ولحق بها طفلاها الآخران وهما يعلان وينتحبان .
وصرخ هيليسي في وجه توم : اصعد , فصعدت السلعة البشرية وسحب النخاس من تحت المقعد قيدان حديديان ثقيلان وصفد رجلي العجوز .
وهنا ادرك الصبيان الصغيران حقيقة المصير الذي يساق أبوهما إليه , فتعلقا بثوب والدتهما وطفقا ينتحبتان وينشجان بصورة تقطع نياط القلوب .
وألهب هيليسي الفرس بسوطه , فأنطلقت العربة بهما , وتوم يلتفت بعينيه الدامعتان إلى بيته وبيت امرأته وأولاده , حتى توارى الكوخ عن ناظريه !!