موندريان والحقيقة
يعتبر الفنان بت موندريان(1872-1944م) هولندي الأصل من أهم فناني القرن العشرين في أوربا والعالم, فهو رائد الجماعة الهولندية التي عرفت (دي ستيل) وهو من أبرز فناني ومؤسسي الفكر التجريدي الهندسي في مجال الفن التشكيلي المعاصر والذي بدأ ينشر ويؤصل هذا الاتجاه الفني في كتابه (الفن الحديث).
حيث ذكر في كتابه (إني لا أود أن امثل الإنسان كما هو كائن, وإنما بالاحرى كما ينبغي أن يكون). وذكر أيضا في مجلة دي ستيل عام 1917م (أنه وراء أشكال الطبيعة المتغيرة, هناك تكمن الحقيقة نقية وثابتة, ولها قوة تعبيرية) *د. محسن عطية, اتجاهات في الفن الحديث 1993م. ص 150, 151.
يعد موندريان أول من كشف خصائص الشكل واللون الطبيعيين حيث يرى إن مظاهر الإشكال تتحول وتبقى الحقيقة دائمة حيث توصل إلى التشكيل الخالص والنزعة اللا موضوعية واللا تمثيلية ففي مجال الفن حيث بدأ يجرد الأشكال ويلخصها ويبسطها بقدر الامكان ويبعد عنها كل ما يبتعد عن الحقيقة في رأيه إلى إن توصل إلى أن الخط المستقيم بنوعيه الأفقي والرأسي والخط المنحني هي مكمن التشكيل وهي التي تحقق التوازن في العلاقات الشكلية والتي تعبر عن النقاء الجوهري حين نستطيع أن نفجر ما فيها من امكانات تشكيلية وجمالية وتعبيرية.
فنلاحظ في أعمال موندريان التقاء قوتين جبارتين في اتجاهين متعاكسين فالتقاء الخط الرأسي بكل ما يحمله من دلالات ومعاني للشموخ والعظمة والنمو والسمو والصعود حين التقائه مع الخط الأفقي بما يحويه من معان ودلالات نفسية توحي للمشاهد الاستقرار والتوازن والكون والهدوء كل هذا التناقض يجمعه موندريان بشكل متآلف وحميم ويصوغه بكل اقتدار بشكل منطقي.عندها يرى الفنان انه قد حقق آماله الفنية والتشكيلية عند هذا الالتقاء الذي استطاع من خلاله أن يزيل ذلك التوتر الديناميكي للرؤية في هذا التعامد المنطقي الذي هو أساس تركيب وبناء الحضور كما نلاحظ في تعامد الأشجار الطويلة مع خط الأرض الذي تستقر عليه كافة الموجودات. ويرى موندريان في تكرار هذه الخطوط المتعامدة أن يبدع نوعا من الإيقاع الجميل والتناغم في الحقول المرئية في مجال إدراك العمل الفني فيحقق بذلك علاقات شمولية ومتوازنة بشكل مثالي حينما يدمج ذلك التجريد الخطي الهندسي في ابسط صورة مع أقصى درجات الاختزال والتجريد اللوني حينما يستخدم الألوان الأساسية الأصفر والأحمر والأزرق صافية ونقية دون مزج والألوان المحايدة البيض والأسود الذي يرى أنهما الجار الحميم والودود لكل الألوان والمساحات اللونية التي يستخدمها ليحقق من خلالها مفهومه الخاص حول (الصورة الخالصة).
يعتمد موندريان على الخطوط المتعامدة والألوان الصافية في تحقيق قيم الجمال وقوانينه فيظهر لنا التنوع العجيب داخل الوحدة, والبساطة داخل التعقيد، والانسجام مع التباين من خلال الأفقي والراسي في الخطوط والأساسي والمحايد والبارد والحار في الألوان. انظرالى جماليات التنوع في المساحة وتحكم الفنان وسيطرته على الفراغ داخل العمل الفني. وشاهد التوازن العجيب في توزيع الألوان المتناغمة داخل اللوحة. لقد كون موندريان مدرسة فنية قائمة بذاتها داخل المدرسة التجريدية وهي التجريدية الهندسية التي لها رؤيتها الخاصة للفن ولها أهدافها وفلسفتها المنبثقة من هذا الفكر. انتشر أسلوب هذه المدرسة في مجالات عديدة من مجالات الفن وبالذات مجال الديكور والاثاث والادوات المنزلية. وتولدت منها حركة الاوب ارت التي كانت امتدادا وتطورا طبيعيا لهذا الفكر الفني الجميل.
السبت 02 مايو 2009, 5:16 am
