هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى عائلي قائم في كل أقسامه على منهج اهل السنة والجماعة.
 
أحدث الصورالرئيسيةالتسجيلدخول

 

 سعدي الكعبي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هناء
المديرة
المديرة
هناء


عدد المساهمات : 172
نقاط : 423
التقييم : 5
تاريخ التسجيل : 08/04/2009
العمر : 41

سعدي الكعبي Empty
مُساهمةموضوع: سعدي الكعبي   سعدي الكعبي Emptyالسبت 02 مايو 2009, 5:26 am

الرسام العراقي سعدي الكعبي آتياً من حضارة بابل

"ليست الحياة في بغداد سوى قدر مكتوب على صفحة العمر، نعيشها بين الخطر وصفارات الإنذار والقصف والنوم على السطوح في حلكة الظلمة"، يقول الفنان التشكيلي العراقي سعدي الكعبي, الذي عاد إلى بيروت بعد طول غياب، ليقيم معرضاً لأعماله الجديدة (18 لوحة- أكريليك على قماش) في غاليري "أجيال".


وهو جاء مصحوباً بأطيافه الإنسانية، ونوافذ ذاكرته وأحلامه الحزينة المطعونة بالألم. فالأشكال التي يواظب على رسمها كخطوط خارجية، تروي حكايات الوجود المتأزم، المثقل بالقلق والخيبات والتمرد في آن واحد.

من الحضارة الطينية يخرج إلى العيان ملوك الأمس وملكاته، على قطع من بلاطات المعابد القديمة. إنها ترابية الأشياء، التي تعبّر عن مضامين حضارية، ذات طابع تاريخي تطل من خطوط، كالحبال يشكّلها على هيئة قامات إنسانية. فيتراءى الكائن متوحداً، يتلمس عطر الحب في جدائل إمرأة، أو أسيراً يقف وحيداً كظل، وفي مرآته تتضاعف صور عشرات الرجال الذين يشبهونه في تلاشيه.

على ضفاف دجلة والفرات تتآخى الحياة والموت ، وكذلك الظل والنور، والذاكرة والنسيان. فالذكريات المبعثرة عن خرائب الأمكنة تحملها اللوحة، كما لو أنها سطح لرقيم قديم، تنبثق منه عائلات الوجوه المعذبة، التي تظهر وكأن الفنان يحفرها، بيديه وليس بالريشة. فهي مكسوة بألوان أحادية من الرمادي الرصاصي أو الترابي، بما يوحي بأنها قادمة من أزمنة سحيقة وضائعة, حيث لا حدود تفصل بين شواهد المعاناة في تراب التاريخ وعراء الأجساد في الزمن البابلي الراهن. ويتخذ الرسم أكثر فأكثر ألوان الغياب.

سعدي الكعبي من أبرز الفنانين العرب الذين اشتغلوا على إيحاءات السطح التصويري، من خلال قشط الطبقات اللونية، عن القماش المشدود إلى خشب. فأعطى لوحته ملمس الجدار، بكل ما يحمل من شطوب وأثلام وآثار من علامات الزمن. وفيما عزف معظم الفنانين عن هذه التقنية، ظل الكعبي من أبرز المحافظين عليها، فأضفى عليها شيئاً من شفافية التبسيط والنورانية الخفية. إذ طالما تأثر بالبارولييف، الذي يميّز حضارات بلاد ما بين النهرين، وغرق في تأملاته للرموز التي ترسل أنظارها إلى ما بعد الأفق. ويتساءل: "كيف يضاف هذا السحر إلى العمل المعاصر، وكيف يمكنه أن يندمج مع روح الخط العربي الذي يعبّر عن الحضارة الإسلامية، في نطاق واحد؟ هذه الكتابات التي تزيّن أفاريز المساجد والأضرحة، لم اقرأها في حياتي، لأنها مستعصية، لكنني أكنّ لها قدسيةً واحتراماً لأنها موروث ديني وحضاري، وقد شاهدت كتابات مثلها في المغرب والهند وبنغلادش، وهي فضلاً عن تساميها، تمثل قيمة جمالية شكلانية بحتة، جديرة في أن تدخل اللوحة المعاصرة، كي تعلن محليتها".

هكذا بين طلاسم الكتابات حيث يقف الزمن العربي، وسحابات الظلال الرمادية التي ترفرف بأرواحها الخفيفة على الأمكنة، تمضي قامات سعدي الكعبي، إلى عذاباتها وهي تعيش مرارة الأسر في زمن الاحتلال. فالمعنى المتواري يطل في بساطة التعبير، وكذلك في الصمت المترفع، والصراخ الداخلي المكتوم. وعلى رغم أن إنسانه يحمل شهادة الموت لكنّ لبه لا يخلو من نبض الحياة. لذا فالشاهد هو شهيد، حين تتشابه القامات وتتناسخ، ككتل لا تمايز فيما بينها، ولا خصائص، بل هي مجرد كتل بشرية مقيّدة بسلاسل أقدارها وهي تميل ميلاً عظيماً في لحظة ما قبل السقوط، ويظل الإبهام يحوط صفوف الناس المذهولين من هول الفاجعة.

في أعماله الجديدة يقطف الكعبي شفافية الألوان الشاحبة والمضيئة، لملامس الغرانيت والطين، في تقشف لغته التعبيرية الغرافيكية، هذه اللغة القائمة على الخرطشة والمحو والتشفيف، مما يعطي خيوطه وسحابات دخانه وأشكاله وفراغاته جماليتها من الغموض الذي يكتنف عادة سحر ملمس القطع الأثرية القديمة.

لا شيء في لوحاته سوى خواء الشكل الإنساني وخواء الإشارات التراثية. إشارات المربعات والدوائر والخطوط النازلة كسهام أو المتتابعة كقيود. فعنصر المكان، يتمتع بخصوصية تنم عنها الكتابات العربية المحفورة على جدران الأمس. والانتقال من تكوين إلى آخر, هو أشبه بالتجوال بين جدران بابل الممسوحة, جدران الأسر والمعتقلات، المغمورة بظلال الملاحم والأساطير، بين ضبابية التاريخ وغبش قرن جديد اتصف منذ مطلعه بالشؤم والويلات والحروب.

في لوحات الكعبي تقف الظلال وحيدة بصمتها الموجع والمرير. فرؤوس القامات تطل واحدة تلو أخرى خطوطاً ملتوية، تلتف حول الأعناق مثل حبل الموت, بينما تظل النوافذ خرساء والأبواب موحشة. فثمة صمت يكتنف المشهد الجنائزي للشهداء، شبيه بالصمت المسرحي الهستيري أمام كابوس أعمارهم الضائعة. كما لو أن الكعبي يستعيد القامة البابلية في تشابه معاناتها وآلامها في الأسر وفي محاولة تغلبها على الفناء المحتوم. فالقامات لا تقف على أبواب الماضي التي أتت منه، بل على أبواب التبدد والضياع, كي تبقى متأرجحة في رحلة عذاباتها، مثل جلجامش في رحلته إلى الظلام السفلي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://success0way.own0.com
 
سعدي الكعبي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتديات العامة :: أخبار عامة ومحلية-
انتقل الى: